إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئا ت أعمالنا ’ من
يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا أله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله.
أما بعد ..
شتان الفارق بين المرأة قبل الإسلام وبعده أنه كالفارق بين النور والظلام.. نعم لقد كانت
المرآة قبل الإسلام بلا حقوق أو كيان, ولا أغالي إن قلت إنها كانت ممتهنه على الرغم إن
العرب في جاهليتهم كانوا يمجدونها في أشعرهم حتى أنه كانت تقوم الحروب وتراق الدماء
بسببها ولكن كان ذلك في أشراف العرب من النساء أم ما دون ذلك منهن فقد كانت المرآة في
جميع أطوار حياتها لا رأي لها ولا حقوق بل أن أحدهم أذا بشر بأنثى أسود وجهه يوريه من ا
لقوم لأنها تحمل له العار كما قال تعالى { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم
{58} يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَ
حْكُمُونَ {59} }( 59 النحل ) ٌ
.
. نعم .. لا يجد الرجل بد من التخلص من إبنته خوفاً من الفقر أو العار إلا بدفنها وهي على قيد ا
لحياة ثم يهيل عليها التراب وهي لاحول لها ولا قوة وكل جريرتها أنها أنثى , ولهذا فقد حرم ا
لله تعالى هذا العمل فقال تعالى { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ } ( التكوير/ 8 ).
* قال القرطبي في تفسيره ما مختصره ( قوله تعالى: "وإذا المؤودة سئلت، بأي ذنب قتلت" ا
لمؤودة المقتولة؛ وهي الجارية تدفن وهي حية، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب، ف
يوءدها أي يثقلها حتى تموت؛ ومنه قوله تعالى: "ولا يؤوده حفظهما" [البقرة: 255] أي لا ي
ثقله..
وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين: أحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله، فألحقوا ا
لبنات به. الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق، وإما خوفا من السبي والاسترقاق. وقد مضى في
سورة "النحل" هذا المعنى، عند قوله تعالى: "أم يدسه في التراب" [النحل: 59] مستوفى.
وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا، ويمنعون منه,.. وقال ابن عباس: كانت المرأة في ا
لجاهلية إذا حملت حفرت حفرة، وتمخضت على رأسها، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة،
وردت التراب عليها، وإن ولدت غلاما حبسته, وقال قتادة: كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته،
ويغذو كلبه، فعاتبهم الله على ذلك، وتوعدهم بقوله: "وإذا الموؤودة سئلت" قال عمر في قوله ت
عالى: "وإذا الموؤودة سئلت" قال: جاء قيس بن عاصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ي
ا رسول الله! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية، قال: (فأعتق عن كل واحدة منهن
رقبة) قال: يا رسول الله إني صاحب إبل، قال: (فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت).
وقوله تعالى: "سئلت" سؤال المؤودة سؤال توبيخ لقاتلها، كما يقال للطفل إذا ضرب: لم
ضربت؟ وما ذنبك؟ قال الحسن: أراد الله أن يوبخ قاتلها؛ لأنها قتلت بغير ذنب..) انتهي
وقال السعدي في تفسيره ما نصه ص 219 –8 :
(وهي ما كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات وهن أحياء من غير سبب إلا خشية الفقر
فتسأل{ بأي ذنب قتلت } ومن المعلوم أنها ليس لها ذنب ولكن هذا فيه توبيخ لقاتليها ) انتهى
وقال سيد قطب في تفسيره ( 3839- 6 ) ما مختصره :
وقد كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية أن انتشرت عاده وئد البنات خوف العار أو
خوف الفقر , وحكى القرآن عن هذه العادة ما يسجل هذه الشناعة عن الجاهلية التي جاء
الإسلام ليرفع العرب من وهدتها , ثم قال : وكان الوأد يتم في سورة قاسية إذ كانت البنت تدفن
حية أو كانوا يفتنون في هذا بشتى الطارق فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في
السادسة من عمرها , ثم يقول لأمها طيبها وزينيها حتى أذهب بها إلى إحمائها ! وقد حفر لها
بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر, فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها دفعاً ويهيل التراب عليها !
وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفره محفورة فإذا كان المولود بنتاً
رمت بها فيها وردمتها وإن كان إننا قامت به معها ! وبعضهم كان إذا نوى إلا يئد الوليدة
أمسكها مهينه إلى أن تقدر على الرعي فيلبسها جبه من صوف أو شعر ويرسلها في البدية
ترعى له إبله ! فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي فكانت لهم وسائل أخري
ولإذاقتها الخسف والبخس كانت إذا تزوجت ومات زوجها جاء وليه فألق عليها ثوبه ومعنا هذا
أن يمنعها من الناس فلا يتزوجها أحد فإن أعجبته تزوجها, لا عبره برغبتها هي ولا إرادتها !
وإن لم تعجبه حبسها حتى تموت فيرثها أو أن تفتدي نفسها منه بمال في هذه الحالة أو تلك..
وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا زوجته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها.. وكان
الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها, فيحبسها عن الزوج, رجاء أن تموت أمرآة
فيتزوجها ! أو يزوجها من ابنه الصغير طماعاً في مالها أو جمالها ) انتهى
وزيادة في البيان والتوضيح عن حال المرآة قبل الإسلام هذا الحديث الصحيح عن عروه رضى
الله عنه قال (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح كان
في الجاهلية على أربعة أنحاء فكان منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته
فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان
فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع
منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إن أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا
النكاح يسمى نكاح الاستبضاع ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم
يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم
أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت وهو ابنك يا
فلان فتسمي من أحبت منهم باسمه فيلحق به ولدها ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون
على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن رايات يكن علما لمن
أرادهن دخل عليهن فإذا حملت فوضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي
يرون فالتاطه ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم هدم نكاح
أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم)
رواه أبو داود في كتاب وجه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية ( 2272 )
ومجمل القول أن المرآة قبل الإسلام كانت لا ناقة لها ولا جمل ولا تملك غير السمع والطاعة
أمام جبروت الرجل وتسلطه في الجاهلية ثم , جاء الإسلام ليزيد من شأن المرآة وأعطاها
حقها في أن تعيش بكرامة وجعلها كالرجل تماماً في الثواب والعقاب وصار لها من الحقوق مثل
ما عليها من الواجبات كما قال تعالى { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب} (غافر/40 ) ..
وقال تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (النحل/97 )
خلاصة القول إن المرآة قد أعطاها الإسلام من الحقوق ما لو ظل أدعياء التقدم والتحرر
والمساواة سنوات طويلة يطالبون بها ما استطاعوا الحصول عليها وهاهو فضيلة الشيخ محمد
متولي الشعراوي رحمة الله في كتابه القيم ( المرآة كما أرادها الله ) يبين ويوضح ما كانت
عليه المرآة قبل الإسلام وبعده قال ما مختصره :- ( أذن فالمرآة مثل الرجل تماماً في أنها
مسؤلة عن عملها الذي أنيط بها ومجزاة عليه أن خيراً فخيراً وأن شرا فشر . ثم بعد ذلك جاء
الإسلام لينظر في حقوق المرآة المدنية : تصرفات المرآة , ومعنى التصرفات : أن تبيع وأن
تشتري . أن تملك وأن تهب , أن تؤجر وأن ترهن , أن تتصرف في ملكها بأي تصرف ,
ملكها الذي يؤول أليها بالميراث أو الهبة . فما موقف الإسلام منها ؟ أما موقف الديانات
الأخرى أو المذاهب الوضعية , فإذا نظرنا إلى الديانة اليهودية - مثلاً – فأنها تجعل المرآة
تابعة لأبيها أو لولي أمرها قبل أن تتزوج فلا تتصرف إلا به , هو الذي يتصرف يبيع لها
ويؤجر لها , ويملك ويرهن فلا تصرف لها أبداً مادامت ولايتها له . فإذا ما انتقلت ولايتها إلى
زوجها انتقلت الحقوق إلى الزوج بدون أي حق للمرآة في أي تصرف من التصرفات حتى أن
بعض هذه القوانين جعلت لولى أمرها من أب أو ولى أمر أو زوج بعد أن تتزوج حق الحياة لها
أو حق الموت أن شاء أحياها وأن شاء أبقاها, وأظنكم تعلمون ما كان يصيب المرآة حين توأد
وهي حية. وأيضاً يجعل لولى أمرها أن يبيعها ليأخذ ثمنها ليفرج عن نفسه كربة مالية أذن
فالمرآة عندهم مجرد متاع لا كرامة لها ولا وزن ولا قيمة ولا حرية لها في أي تصرف من
التصرفات.
أما الإسلام فجاء ليعطي المرآة حقها الطبيعي في الحياة وأحقيتها في التصرف, فلها أن تبيع ما
شاءت, ولها أن تملك , ولها أن تهب , ولها أن ترهن ولماذا نذهب بعيداً .. أن الحضارة
اليونانية والحضارة الرومانية, لم تخرج عما قالته اليهودية أيضاً في أن المرآة ليس لها حرية
التصرف في أي شئ من الأشياء ) انتهى .. ومن ثم على المرأة في القرن الواحد والعشرين
تعقل وتدرك أن أدعياء التقدم والتحرر والمساواة يبغون تبرجها وسفوها وخروجها عن طاعة
الله للوصول إليها بأسهل الطرق للفساد والإفساد
نعم.. لا ريب أن المرآة هي القضية الأساسية للشعوب المتحضرة فهي سلاح للهدم و نشر
الإباحية و الفجور كما أنها قد تكون سلاحاً للبناء و السمو بالأخلاق و الفضائل.
وبعد ارجوا أن تكون مقالتي تلك دعوة علي احترام المرآة وتقديرها ولولا خشيت الإطالة لكتبت
عن حقوق المرآة في الإسلام في جميع أطوار حياتها المختلفة كأم وزوجة وأختاً ..الخ .. وما
ذكرناه فيه الكفاية والله المستعان
من موقع الشيخ سيد مبارك http://sayedmobark.yoo7.com